في الأشهر الأولى من عملية تأليف الحكومة، بعد الإنتهاء من الإنتخابات النيابية في شهر أيار من العام الماضي، طُرحت الكثير من علامات الإستفهام حول أسباب خارجية تحول دون أن تُبصر النور، لا سيما بالنسبة إلى "فيتوات" وضعت من قبل بعض الجهات الإقليمية، لكن ما أن أعلن عن تشكيل الحكومة حتى بدأت بعض العواصم الإقليمية في حجز المواعيد لمسؤوليها لزيارة بيروت، تحت عنوان: التهنئة بالحكومة الجديدة.
في هذا السياق، تأتي زيارة وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف، بالإضافة إلى زيارة كل من أمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط والمستشار في الديوان الملكي السعودي، المتابع بعمق الوضع اللبناني، نزار العلولا، الأمر الذي لا يمكن أن يوضع في إطار "الصدفة" فقط، في ظل التحولات القائمة على المستويين الإقليمي والدولي.
في هذا الإطار، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن الأوضاع المحلية، على مدى السنوات السابقة، كانت محكومة بمعادلة مظلة إقليمية ودولية تحرص على إبقاء لبنان خارج دائرة الصراعات التي تجتاج المنطقة، من سوريا إلى العراق وصولاً إلى اليمن، إلا أنها تلفت إلى أنّ الواقع اليوم قد يختلف بعض الشيء، خصوصاً أن تلك الصراعات قد تكون على أبواب سلسلة واسعة من التحولات.
وتوضح هذه المصادر أنّ الأوضاع على المستوى الدولي لا تُبشّر بالخير، في ظل الخلافات القائمة بين الجانبين الروسي والأميركي، الأمر الذي ينعكس على العديد من النزاعات على مستوى العالم، وترى أنّ هذا الواقع لا ينفصل أيضاً عن التطورات القائمة على مستوى العلاقات الإيرانيّة الأميركيّة، في ظلّ حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يسعى من خلال الضغوط التي يفرضها على طهران إلى إحضارها إلى طاولة المفاوضات بشروط جديدة.
على الرغم من ذلك، تؤكد المصادر نفسها أن جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين على الساحة اللبنانية، يدركون جيداً بأن أياً منهم لا يستطيع قلب الطاولة على الآخر في ظل المعادلات القائمة على المستوى المحلي، ما يعني صعوبة سيطرة أي محور، بشكل كامل على البلاد، مقابل خسارة المحور المقابل، إلا أنها تعتبر أن هذا لا يلغي سعي كل منهما إلى تسجيل نقاط على حساب الآخر، وهو ما يُفسر سلسلة الزيارات التي يقومون بها في الوقت الراهن.
إنطلاقاً من ذلك، ترى المصادر السياسيّة المطلعة أن المنطقة اليوم أمام مرحلة إنتقاليّة صعبة، لا تتضح حتى الساعة تفاصيلها ولا الصورة التي ستنتهي إليها، وبالتالي يمكن وصفها بـ"الفوضى" التي لا أحد يعرف ما قد ينتج عنها، نظراً إلى أنها ستكون مقدمة إلى مرحلة من المفاوضات الصعبة، وتعتبر أن الكثيريين يريدون أن تكون بيروت بمثابة ورقة رابحة بالنسبة لهم قبل الوصول إلى تلك المرحلة.
وهو ما يفسّر سلسلة، من وجهة نظر المصادر نفسها، الشروط الواسعة التي تفرض على مراكز صنع القرار في لبنان، والتي بدأت من خلال الزيارة التي قام بها كل من وكيل وزير الخارجية الأميركية ديفيد هيل ونائب وزير الخزانة مارشال بيلنغسلي، وبينهما قائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال جوزف فوتيل، في حين من المتوقع أن يزور لبنان، في المرحلة المقبلة، الكثير من المسؤوليين الدوليين والإقليميين.
في المحصلة، تجزم هذه المصادر بأن هذه الوقائع تفرض على المسؤوليين اللبنانيين إدارك عدم قدرتهم على إحداث أي تغيير في المعادلتين الإقليمية والدولية، وبالتالي السعي إلى التركيز على الأوضاع المحلية الصعبة على مختلف المستويات، أي تطبيق ما يعلنه مختلف الأفرقاء المحليين صراحة، بانتظار معرفة الخيط الأبيض من الأسود بالنسبة إلى الأزمات الخارجية.